الحلقة الثانية من

الانشراح والشجن والتسلية علل الفن الأولى

بعنوان السادن والنبي


وقفنا في الحلقة. السابقة عند تصورنا. كيف بدأ الإبداع الإنساني 

وقلنا أن بدايته كانت  مع إدراك الإنسان لكونه محب وعاشق بحاجة لأن يبجل من أحب ويحتاج أيضا أن يحتفل بمن أحب إذا قبل أن يظل معه دائما ولذلك نجد حفلات الرقص والاحتفالات حول النار في القبائل الهمجية القديمة مثل  بعض قبائل الهنود الحمر والكثير من القبائل الأفريقية المتوحشة 

كما نضيف حاجة الإنسان إلى الزينة والتي أدت لابداع الرسم عن طريق القص واللزق ومعرفة كنه الألوان وكيفية إخراجها 

وتوظيفها. في الدلالة على الحزن والفرح والحب ولا شك أن الألوان كانت من أهم دلالات العالم القديم. وفي المقال السابق ذكرنا علاقة الفن بالدين تلك العلاقة التي أدت لظهور الأسطورة 

وقلنا أن الإنسان عندما تعاقبت عليه الايام والقرون ونسى وشك في توحيد الألوهية. لمسته الضلالة فاشرك وعدد الآلهة وكان يلزم تلك العبادات المبتكرة طقوس استعانت بفنون الكلمة وفنون الحركة وبما قدر عليه أهل هذا الزمان من فنون النغم 

ولكن من أين آتينا بهذا التصور. والحقيقة أن ذلك ورد ذكره في كتب مثل البداية والنهاية لابن كثير وتاريخ الأمم والملوك للطبري وورد ذلك في مروج الذهب عند المسعودي وفي الكتاب المقدس  وفي التوراة إشارة لذلك ومعظم هذه الآثار أكدت أن بداية الفنون كانت على يد أبناء وبنات قابيل الذين اخترعوا المعازف المختلفة وبداو فن الرقص. ولقد أكدت العلوم الحديثة أن فنون الرقص كانت بدايتها في المعابد القديمة وكانت ممارستها مرتبطة بالطقوس الدينية وكان ذلك يتم في العراء بالنسبة للقبائل الهمجية التي عاشت مرتحلة ولم تستقر ولم تستطع بناء حضارة. ولكن إذا دققنا النظر في تلك الروايات القديمة عن بداية الفنون فسنجد أن هناك كثير من التناقدات وإن ترابط الأحداث فيها ضعيفا حتى يكاد أن يبلغ مقام الأسطورة. فنحن إذا وافقنا على أن أبناء قابيل هم أول من بدأوا الإبداع الأرض فنحن نقول بأن أبناء هابيل وشيث عاشوا همجيين وكان يجب أن ينقرضوا. ولو وافقنا بذلك لكان الإبداع همه الطقوس الدينية فقط. وليس غير ذلك وذلك غير صحيح

ولو كان هذا صحيحا ما ظهر التوحيد مرة أخرى في الأرض كما أننا. عندما نتابع التاريخ الفني في العصر الإسلامي سنجد انه سبق بفنونه كل العصور التي سبقته من نحت وزخارف وفسيفساء وشعر وغناء. وحتى الرقص والغناء كما أن الدين حث على تعلم الشعر وعلى الاستفادة من الشعر والشعراء كما أن الدين لم يصدر تشريع بمعاقبة القينات والعازفين وإن كان الدين شدد على عدم الانكباب في اللهو لحد الإسراف ولكن الدين طلب الدق على الدفوف والحدو في العرس لبعث الألفة والفرحة  في نفس العروس وإن يساعدها في تلك الليلة على التغلب على هواجسها المتعلقة بالزواج وكذلك يحقق جانب الإشهار الشرعي في الزواج  وإن يعبر المحتفلون عن فرحهم لفرح اخيهم واختهم وإن يصيبهم بعض الخير منه فيقطع بذلك كثير من الحسد ويبدله لغبطة وهكذا نرى أن الدين الحنيف الصحيح هو أكثر من أدرك أهمية الفن للإنسان وكيف يمكن التغلب به على الحسد والوحشة والاكتئاب وهذا يرجعنا الي قول العلماء الذين قالوا إن بداية الفنون كانت من عند اولاد قابيل وكانوا ملعونين مثل ابيهم. ولكن ذلك أن صناعة هؤلاء ال ملعونين يجب أن تكون ملعونة وضارة وهم لم يقولوا بذلك وإن كانوا اوحوا بذلك لقارئ آثارهم. وهنا نقطة أخرى تجعلنا نتساءل

أنه إذا كان قابيل له ذرية اثبتتها الكتب القديمة وأثبتت ما صنعوا فلماذا لم تثبت تلك الكتب أبناء هابيل وصناعتهم لأن العقل يقول انه اذا كانت البدايه الجديدة من عند شيث فهو إما أن يكون قد بنى بإحدى إخوته من بنات ادم وحواء وإما أن يكون بنى بواحدة من ذرية أخيه هابيل العبد الصالح كما أن العقل يقول ان من تقبل منه الله قربانه كان قد تزوج وكان يجب أن تكون له ذرية ولكن من العجيب أن تلك الآثار تجاهلت الحديث عن كل ذلك ولكن. القارئ في التاريخ الإنساني ومن يتابع إنجاز الحضارات القديمة سيجد أن ان الشعراء والفنانين كان لهم مكانة عالية في بلاط الملوك وفي سلك الشعوب 

كما أن تأثيرهم على ازدهار. الحضارات التي عاشوا فيها كان واضحا وملموسا ليس فيه اي لبس كما أن الأنبياء والرسل امتهنوا بعض تلك الفنون فمنهم من كان كاتبا مثل إدريس ودانيال. ومنهم من كان نحارا مثل سيدنا نوح ومنهم أجاد البناء مثل سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل. اللذان ذكر القرآن أنهما رفعا قواعد الييت واعادا بناءه وقيل أيضا أن شهيد ال ياسين كان حبيب النجار رضي الله عنه وقالوا إن موسى أجاد الكتابة وإن عيسى عليه الصلاة والسلام كان حكيما. وكان بخط الخط كما أن النبي صلى الله عليه وسلم عمل بالتجارة وهى لا تخلو من فنون الذوق في اختيار الألوان ومن فنون البيع والتسويق التي على رأسها فن إقناع العميل. وكل ما سبق يدل على أن رؤية هؤلاء العلماء قد بجانبها الصواب في أن أول بداية الفن كان على يد أبناء قابيل ولكن إن ثبت ذلك فذلك لا يعني عدم حاجة البشرية للفنون أو أنها عبأ على الأخلاق والدين بل هي على العكس من ذلك تماما  فإذا تثبتنا من ذلك كان علينا أن ننطلق الي عنوان بحثنا. اليوم الا وهو علل الفن ما بين السادن والنبي 

ونقصد بهذا العنوان أن الفن كانت علته الأولى إدخال الغبطة والسرور والمؤانسة على شعور الإنسان وأنه كان يجب للحصول على تلك الراحة الشعورية عند الصالحين من الناس راحة الضمير لما يمارسون من فنون والتأكد من مشروعيتها وأنها لا تجر عليهم غضب الخالق العظيم ولكن هذا. عمل صناعة شخصية السادن الذين عين نفسه حارسا على قواعد الفنون 

حتى لا يختلط الغث والضعيف منها بالفن عالي الجودة ولكن ذلك لم يمنع من ظهور الاسفاف والابتذال ولم يمنع أيضا من تأخر الفنون بسبب جمود السادن وإن يكون عقبة دائمة ضد تطور الفنون ومن هنا كان المطور بمثابة نبي بشر بمدرسة جديدة. تخالف ما ذهبت له المدارس القديمة من. رتابة ومن أشكال زخرفية. لم تهتم براحة الضمير ولا بالانشراح ولا بتحقيق التسلية والمؤانسة بحيث تشبع. حاجات الإنسان لتلك 

الأحاسيس المعنوية التي تدخل البهجة عليه حتى وإن حملت بعض الشجن ولكن يشعر الإنسان بالراحة بعد سماع تلك الفنون أو مشاهدتها وذلك يقودنا لاكتشاف مهم في فلسفة الفن وهو أنه قد يشعر كثير من الأشخاص ببعض السعادة بعد سماع أو مشاهدة ما يشجيهم من الفنون  ولكن قد يحول السدنة بينهم وبين ذلك عندما يحاولون أن يروجوا أن الأشكال القديمة هي الأشكال الصحيحة من الإبداع وإن الأشكال الجديدة ليست فنا يعتمد عليه. من حيث الحفاظ على صحة اللغة واستمرار إحياء الأخلاق والمثل العليا  وهذا لا يكون صحيحا الا في حالات معينة مثل التقليد الخاطئ للحضارات التي تخالف حضارة المبدع ومثل أن يحاول المبدع إلغاء المنطق في العمل الفني 

ومثل أن يدس السم في العسل بحيث يكون يروج من خلال فنه لأفكار. ضد. ما تعارف عليه المجتمع من عادات وأخلاق فاضلة  وبذلك هو لا يريد كن إبداعه سوى تفكك المجتمع وتأخير مسيرته الحضارية كما أن. المجتمع مطالب بالحفاظ على لغته القديمة لأنها تمثل تاريخه وجذوره والذي يجب أن تنشأ الأجيال على معرفتهما وادراكهما وذلك من أجل الحفاظ على عزة الأمة وأمنها وإيمانها  ولكن السادن قد يتخذ من تلك النقطة مرتكز يرتكز عليه في ممارسة الجمود وذلك حين يتمسك بالتقليد الأعمى ويرفض التطور وذلك الجمود قد يصل لحد خيانة التراث وذلك عندما يرفض الإنسان فنون اللهجة ويحاول احتقارها ورفضها. لأن اللهجة تعني قومية الشعب ووحدته وتعني تراثه وإن الإنسان إذا نسى ذلك ذاب في الكيانات الأخرى 

وذلك يعرض استقلال بني وطنه لخطر فادح قد يؤدي لتفكك الشعوب بسبب فقدانها. للهجة توحدها تحت راية  واحدة ذات تراث موحد يفخر به جميع أفراد ذلك الشعب وذلك يعني أن التزام الشعب نحو. لسانه ليس مثل التزام الأمة فالامة التزامها نحو لغاتها ولهجاتها التزام عام  لأن القوميات التي تتكون منها تلك الأمة قد تكون تفضل لغتها ولهجاتها في فنونها ولكن تلك الأمة قد تعمل على الاعلاء من شان لغة ما لأنها لغة العلماء أو لغة رجال الدين فيها. وذلك واضح في تاريخ كل من اللغات اللاتينية والعربية الفصحى واللغة القبطية 

ولكن إذا حكمت قومية ما أمة من الأمم عملت على نشر لغتها الخاصة ولهجتها بين العامة أكثر من القوميات الأخرى وظهرت أمام العالم دون القوميات الأخرى وذلك نجده واضحا وجليا في 

الكومنولث الروسي الذي يضم فوميات مختلفة ولكن  أمام العالم لا يعترف الا بالأدب الروسي والذي يعتمد على الروسية فقط دون لغات ولهجات القوميات الأخرى 

اما الشعوب فالتزامها نحو لغتها ولهجاتها التزام خاص لأنها 

عليها أن تكون شديدة وقوية في الاحتفاظ بلهجتها شديدا تساوي اهتمامها بلغة العلم وبلعة رجال الدين لأن اللهجة تعني شخصيتها التي لا يجب أن لا تذوب وإن لا تتلاشى تحت حكم اي قومية أخرى وإن يكون لتلك اللهجات أدب معترف به يصل 

لأن يعترف به العالم ويلتغت لجمالياته وفنونه وذلك حتي لا يفقد ذكر العالم له واحترامه اياه 

. ولأن الشعوب لو أقدمت على ذلك دحض ذلك في حق استقلالها وفي حقوقها الثقافية . 

بقلم على الحسيني المصري

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلنا نحبه (حكاية ايقاعية باللغة الصحفية) // بقلم ..مرقص إقلاديوس

نواح الآهات // بقلم المهندسة مهى سروجي