قصة بها غصة // بقلم نظير راجي الحاج

 (    قصة بها غصة     ) قصة حقيقية. 


لي الفخر ان تفوز قصتي في منتدى أدبي رفيع. 

_________________________________________


في فلسطين كل المعجزات، شمال شرق الخليل، تغفو قرية

(سعير) فوق بحر من المياه الجوفية، وكلمة سعير بالمعجم

تعني النار، وهي فعلا قرية من نار.

جندي صهيوني يقف بجانب دبابته، يشرب قهوته.

ها هي (دانيا إرشيد) طالبة عمرها 17عاما،عائدة إلى بيتها

وهي قادمة من مدرستها. ترك الجندي فنجان قهوته، شك

بأن حقيبتها مخزن متفجرات، او الإحتمال الأكبر شعر بالملل

من الوقوف، وأحب أن يتسلى بدم بارد، فأطلق عليها الرصاص، إستقرت عشر رصاصات في جسدها الطاهر، تركها

تنزف على الاسفلت، وعاد يحتسي فنجان قهوته.

نترك دانية تروي ارضها بدمائها، ونتحرك الى فارس من فرسان شعب الجبارين، إسمه(رائد جرادات) يدرس في جامعة القدس المفتوحة بالنهار، وبالليل يعمل حارسأ في

محجر،ليساعد أهله، حيث هو أكبر إخوته العشرة.

سمع بخبر استشهاد دانيا من سماعة المسجد في القرية

تجمهر هو واهل البلدة عند بيت المرحومة، وحضر مراسيم

الدفن والعزاء.

كتب على صفحته عالفيس، تحت صورة المرحومة الملقاة

على الاسفلت(تخيلها أختك).

في صباح اليوم التالي، عاد من المحجر كعادته، الى بيته

بعد ان سلم المحجر للعمال، وسلم عليهم بحرارة.

استقبلته امه، وجهزت له الفطور كالعادة، أصر ان تفطر أمه

معه، كان يضع لقمة في فمه، ولقمة في فمها، وهي تضحك

وتقول :_خير يامْة.. شو  هالدلال لي!

إستحم ولبس أجمل وأشيك ملابسه، وسأل أمه، هل أصلح

عريسا يامّة.

إغرورقت عيون أمه وقالت:_يوم المنى، ربك كريم.

قبّل يديها، وعانقها، وخرج.

قبْل يد جدته، ثم مر على أخته المتزوجة، فأهداها قلادة.

حمل بجيبه سكين..

حالة عشق لن تتكرر فلسطين.

حمل قبضة من طين.

ليطلب من ربه ان يستبدل الجنة بأرض فلسطين.

اول جندي شاهده طعنه بالسكين.

هي ثواني فقط، وخر رائد شهيدا من إطلاق الرصاص عليه.

نقل الجثمان الى المشفى، ووضع بالثلاجة، لكن رفاقه اختطفوا الجثة، وحملوها على الأكتاف.

كانت أخته تحمل القلادة، التي اهداها لها الشهيد قبل ساعات

كانت تلوح بها، وتغني. ..

رِجع الخَي..

يا عين لا تدمعيلو..

فوق كتاف رفقاتو ومحبينو..

رجع الخي..يامْة زغرديلو..

هاالشهيد دماته، دين علينا.

يا شوقي لطلاتو..

وياما حلفنا بحياتو.

واللي ضحّى بدماتو.

بقلوبنا حي..

قالوا كان سبع بأوانو.

وعالاعادي نيرانو..

تشويهم شي..

يمْة شفنا وين تصاوب.

يمة بصدره كف وحارب..

ماشيين.. وهو إلنا ضي..


وصل الجثمان لبيته، أخذت امه تقبله وتزغرد، تفاجأ الناس

انه نزل دم من جرح في رأسه، كان دما قانيا، رائحته مسك

لا تفسير هذا بمنطق عقلي او علمي.

تحليلي،.. ان السماء كانت قريبة من المكان، حتى لو رفعت

أمه أكفها للامست نجم سَماك..

عمل مهرجان تشييع للشهيد في بلدته، اجتمع كل أهل القرية

أهازيج وأغاني، وزغاريد من أمه، الشباب رفعوا والد الشهيد

على اكتافهم. أراد أن يتكلم والده، الكل سكت، هدوء وصمت

قال:_أخي أبو الشهيدة دانيا.

هل تقبل تزوج ابني الشهيد رائد من ابنتك الشهيدة دانيا

والمهر هو دم ولدي. والعرس في الفردوس بإذن الله.

رد عليه والد الشهيدة:_"مبروك عمي مبروك.

رفعتهم الجماهير على الأكتاف، وزف الشهيد بمشهد مهيب

حزين.

وأنا كتبت تبريكا له...


يدخل رائد يرفع هامته المهيبة...

فتحت له ذراعاتها، ساحات سعير الرحيبة.

يحمل مديته، كأنها رصاص..

يريد القصاص..

بداية الخلاص..

لا تضعوه في تابوت..

هو اول القتلى وآخر من يموت..

عرسه أجمل الأعراس...

سمعت الشهيد يهتف:_

الله أكبر.. جئتك يا دانيا الحبيبة.

كان يهجم على العدو، وكأنه بمفرده كتيبة..

إبتسمت وقتها له فلسطين السليبة.

بل ابتسمت له العروبة، بعد أن كانت كئيبة.

آخر كلماته.. عودتنا قريبة.

إقتربنا نشم رائحة عبق طيبه.

إبتعدنا لما وجدناه بكل هيبة.

يسخر من تطبيعنا وهزائمنا الرهيبة.

هو عاد عريساً،والحبيب عاد لحبيبه.

ونحن.. آه من نحن! عدنا لحياتنا الرتيبة.


نظير راجي الحاج

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلنا نحبه (حكاية ايقاعية باللغة الصحفية) // بقلم ..مرقص إقلاديوس

نواح الآهات // بقلم المهندسة مهى سروجي